الجمعة 4 يونيو 2021
في كتابه "المخ الأبله" يقول دين بيرنت:
"يدعي الكثيرون أنهم لا يأبهون لما يظنه الناس بهم. يكررون ذلك مرارًا وتكرارًا، بملء أفواههم، ويذهبون إلى أبعد الحدود سالكين طرقًا يظنون أن من شأنها أن تجعل ذلك واضحًا جليًا لمن يستمع لهم. لكن من المعلوم أن ادعاء كونك لا تأبه لآراء الناس هو أمر لا يمكن تصديقه، إلا إذا كان هؤلاء الناس الذين تدعي أنك لا تهتم بآرائهم، يعرفون ذلك.
أولئك الذين يضربون "بالأعراف الاجتماعية" عرض الحائط باستمرار، يؤول بهم الأمر في نهاية المطاف إلى انتمائهم لمجموعة أخرى من الناس. بداية من حليقي الرؤوس (1) في منتصف القرن العشرين، إلى القوطيين والإيمويين (2) اليوم. إن أول شئ يقوم به أي شخص يريد الانفكاك من الامتثال لمعايير المجتمع، أن يجد مجموعة أخرى يمكنه أن ينتمي إليها ويمتثل لهم ولمعاييرهم بدلًا من الامتثال للمجتمع العادي. حتى المافيا وعصابات الدراجات، كل أفرادهم يميلون إلى ارتداء نفس الملابس. نعم، كلهم قد لا يحترمون القوانين، لكنهم بالطبع يريدون أن ينالوا احترام باقي أقرانهم.
|
آل كابوني يتوسط مجموعة من رجال المافيا في شيكاغو |
إن كان أقوى وأبشع المجرمين والمتمردين لا يمكنهم أن يقاوموا الرغبة في تكوين الجماعات، لا بد إذًا أن يكون هذا الأمر متأصلًا في المخ البشري. وضع أي مسجون في الحبس الانفرادي لفترة طويلة يعد من أقسى أنواع التعذيب النفسي، مما يوضح أن التواصل البشري ضرورة آدمية وليس فقط مجرد رغبة عابرة. قد يبدو هذا غريبًا، ولكن في الواقع، أجزاء كبيرة من المخ البشري شُكِّلت بفضل تفاعلنا مع الناس حولنا، ونتيجة لهذا ننشأ معتادين الاعتماد على الناس من حولنا إلى حد مدهش.
|
حبس انفرادي |
هناك هذا الجدال الكلاسيكي الذي يدور حول ما الذي يجعل المرء على ما هو عليه، الطبيعة أم التربية؟ جيناتنا التي ورثناها أم البيئة التي نشأنا فيها؟ إنه مزيج من الاثنين معًا؛ بالطبع تلعب الجينات دورًا مهمًّا في تكويننا، وكذلك أيضًا تساهم كل الخبرات التي نمر بها أثناء نمونا في تكويننا. في الواقع، خلال فترة نمو المخ، أحد مصادر المعلومات والخبرات – إن لم يكن المصدر الأساسي – هم الناس من حولنا. ما يقوله الناس لنا، الطريقة التي يتصرفون بها، ما يفعلونه ويفكرون به/ يقترحونه/ يبتدعونه/ يؤمنون به، كل هذه الأشياء لها تأثير مباشر على المخ الذي لم يكتمل نموه بعد. وفوق ذلك، هناك جوانب كثيرة من ذواتنا (تقديرنا لذواتنا، الأنا، دوافعنا، طموحاتنا، وما إلى ذلك) نستقيها من كيفية تفكير الآخرين فينا وكيفية تصرفهم نحونا.
عندما نستدعي فكرة أن الناس من حولنا يؤثرون على نمو مخِّنا، وهم على الصعيد الآخر، مخهم يتحكم فيهم، يمكننا أن نستخلص من ذلك نتيجة واحدة، وهي أن المخ البشري يتحكم في نمو نفسه. معظم أفلام الخيال العلمي الكارثية مبنية على فكرة أن الكمبيوترات تفعل ذلك تمامًا، لكن هذه الأفلام ليست مخيفة مثلما لو كان المخ البشري هو الذي يفعل ذلك، لأنه كما رأينا مرارًا وتكرارًا، المخ البشري سخيف وأبله للغاية. ونتيجة لهذا، فإن الناس أيضًا كذلك. وبالتالي فإننا لدينا أجزاء كبيرة من مخنا مخصصة للتفاعل مع الآخرين."
هوامش:
حليقي الرؤوس (Mods and Skinheads): كانوا مجموعة من الثائرين على بعض الأعراف الاجتماعية في المملكة المتحدة في منتصف القرن العشرين. "المترجم"
القوطيين والإيمويين (Goths and Emos): هم مجموعة من الناس مشهورون بتبنيهم لأسلوب مظلم؛ يرتدون الملابس السوداء القاتمة وعادة ما يضعون الكحل على أعينهم ويعرفون في المجتمع بشكلهم المختلف. "المترجم"