الأربعاء 15 سبتمبر 2021
في كتابه الصادر حديثًا "يهود مصر في القرن العشرين"، كتب الدكتور محمد أبو الغار عن خروج اليهود من مصر:
«تقول كرامر في مقدمة أطروحتها للدكتوراه إنه من مجموع نحو 75 ألف يهودي كانوا يعيشون في مصر في الثلاثينيات والأربعينيات، هاجر 20 ألفًا بعد عام 1948، ثم من 40-50 ألفا بعد حرب السويس في 1956، وكانت قرارات التأميم في عامي 1961 و 1962 هي الضربة التي أخرجت عدة آلاف أخرى، وبعد حرب 1967 غادر من تبقى، وفي الثمانينيات كان في مصر أقل من ألف يهودي معظمهم من كبار السن. والآن في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين أصبح اليهود المصريين أفرادًا قلائل.
ولا يوجد تفسير واحد لسؤال: لماذا خرج اليهود من مصر؟ وهناك وجهات مختلفة في تفسير هذا الأمر؛ الأولى تقول إن التاريخ أثبت أن هناك إمكانية للتفاهم والتعايش والحياة المشتركة بين المسلمين والأقباط واليهود، ووجهة النظر الأخرى تقول إن الإسلام كان عنيفا مع اليهود، ولم يتعايش معهم، وتقول كرامر إن كل وجهة نظر تأخذ في الاعتبار الفترة التاريخية التي تحكي فيها عن العلاقة بين اليهود والمسلمين، وكذلك موقفهم من الصهيونية.
وتقول وجهة نظر إن اليهود المصريين كانوا تاريخيا يشعرون بأنهم مختلفون عن العرب، وأن الوطنية المصرية كانت كافية وواضحة داخلهم، وحددت علاقاتهم بباقي دول المنطقة وكذلك بالغرب وثقافته، إلا أنه في الثلاثينيات من القرن العشرين حدث تغير في الفكر المصري، وبدأ تعاطف المصريين مع وجهة النظر المؤيدة للعروبة خاصة في أوساط المثقفين في المدن وبعض الأحزاب السياسية.
ومما لاشك فيه أن الشعور الوطني المصري المطالب بالاستقلال ـ الذي بدأت ملامحه تكتمل في أوائل القرن العشرين ووصل إلى ذروته في ثورة 1919ـ كان شعورًا مصريًا خالصًا، حاول البعض أن يعده صحوة لمصر الفرعونية التي اندثرت، وحاول البعض الآخر عده صحوة للحضارة الإسلامية التي انهارت أركانها وأصبحت تاريخا، وتعتقد كرامر أن تطور الوطنية المصرية أخذ بعدًا جديدا في منتصف الثلاثينيات، هو تحرك الوطنية المصرية في اتجاه العروبة. فمن المعروف أن سعد زغلول وزعماء الوفد الأوائل لم تشغلهم القضية العربية، بل بالعكس أعلنوا مرارا أن قضيتهم هي مصر واستقلالها. إلا أن مكرم عبيد سكرتير عام حزب الوفد ـ وهو القبطي المصري الوطني ـ كان أول من عبر عن البعد العربي للتيار الوطني المصري، وأقنع مصطفى النحاس رئيس الحزب بأهميته، وتعتقد كرامر أن التغيير في الاتجاه الوطني المصري نحو العروبة، كان سببا أساسيا في تحول الرأي العام المصري، من مجرد مشاهد لما يحدث في فلسطين من تغيرات بسبب الهجرة اليهودية، إلى متعاطف مع الفلسطينيين، ثم مشارك فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية. وتعتقد كرامر أن هذا التحول في الرأي العام المصري أحدث شقا بين اليهود المصريين وبين بقية الشعب المصري، والذين رأوا أن البعد العربي للوطنية المصرية يخرجهم من دائرة المواطنة».