الإثنين 23 أغسطس 2021
في كتابه "أفيون وبنادق" يحكي صلاح عيسى عن علاقة الملك فاروق بخُط الصعيد، فيقول:
«وجاء العيد..
سافر عزيز باشا أباظة إلى القاهرة ليمضي العيد مع أسرته، ثم توجه في أول أيام العيد ليعيد على "مولانا"، وكانت التقاليد أيامها تقضي بأن "جلالته" يستقبل الوزراء والكبراء، وكبار الموظفين؛ ليقولوا لجلالته: "كل سنة وانت طيب"...
وكان عزيز باشا حائزًا على الرضى السامي؛ فهو شاعر كبير، نظم من شعره عيون القصائد في مدح مولاه، ووصفه بكل الصفات التي كان يفتقد إليها تمام الافتقاد، وعندما جاء دوره في التسليم على مولانا – مهنئًا بالعيد – توقع أن يعبر جلالته عن رضاه بأي صورة من الصور، ولكن مولانا قال لعزيز باشا شيئًا لم يتوقعه (بعد عيون الشعر التي تغزل في عيون جلالته!)، كان الباشا منحنيًا كزاوية قائمة وهو يصافح مولاه، ففوجئ بالملك يقول:
- قل لي يا عزيز باشا... هو اسمه الخط ولا الحظ؟
وأردف مولانا كلمته بضحكة عالية، زلزلت كيان الباشا، الذي تمتم بكلمات سريعة يؤكد بها لمولانا أنه سيفعل المستحيل، وأن النوم حرام، والشعر حرام؛ ما لم يقع "ابن الحرام" الذي عرضه لهذا الموقف العصيب.
لقد أثبت مولانا بجملته الحكيمة أنه يعرف كيف يستخدم اللغة بنفس المهارة التي يستخدمها بها شاعره الملوكي الكبير، فنقل نقطة واحدة من كلمة "الخط" من فوق الحاء إلى فوق الطاء، فأصبح "الخط": الحظ"؛ الذي جعل الخط يمني البوليس بالهزائم المتوالية.
أيامها كان جلالته من المغامرين الكبار. في كلمته التي قالها للباشا المدير شئ من "التشفي"، وقليل من العقاب، والظاهر أن جلالته كان معجبًا بالخط، وبأولاد الليل عمومًا، ويعتبر نفسه صنوًا لهم! ففي نفس العام تقريبًا كان قد تعرض لفضيحة مدوية بسبب بعض أولاد الليل؛ فقد امتلأت مجتمعات القاهرة فجأة بأحاديث لا حصر لها ولا عدد عن مولانا، وتبين أن هذه الشائعات كلها قد انتشرت عن لسان ابنة البارون "إمبان" – باني ضاحية مصر الجديدة -، ولأن ما كانت ترويه كان يتضمن مساسًا بالذات الملكية، وتشهيرًا بها؛ فسرعان ما صدر أمر ملكي بطردها من مصر، ولكن البنت لم تصمت، بمجرد خروجها أدلت بحديث لصحيفة فرنسية، قالت فيه إنها طردت من مصر لأنها روت قصة حقيقية عن الملك فاروق، إذ خرج جلالته يومًا بسيارته يتنزه في طريق إنشاص، فاعترضه بعض الأشقياء، وهاجموا السيارة، واعتدوا على الملك، وسلبوه ماله، وبمجرد انصرافهم عاد الملك إلى استراحته حيث التقط بندقيته وعاد يطارد أولاد الليل، ويبدو أن مولانا من فرط صلاحه وتقواه (وقد امتدحهما الباشا المدير في بعض شعره) كان يتفقد الرعية مع "صديقة" فرنسية في ظلام الليل؛ فظنه الأشقياء مواطنًا عاديًا يمارس الغرام في الظلام؛ فابتزوا نقوده، ولكنه أبى إلا أن يأخذ بثأره؛ فخرج يطاردهم».