الجمعة 4 يونيو 2021
نعرف جميعنا الدكتور عبد الوهاب المسيري مفكرًا إسلاميًا، وعالمًا موسوعيًا، ومتخصصًا في الدراسات اليهودية والصهيونية. لكن الجانب الآخر الذي ربما يجهله الكثيرون هو أنه كتب العديد من القصص للأطفال.
في كتابه "رحلتي الفكرية" يقول د. عبد الوهاب المسيري: «وأنا أحب عالم الأطفال، أحب أن أدخله معهم، فهو عالم ملئ بالجمال والدهشة والبراءة، عالم يمكن أن يحقق فيه الإنسان إنسانيته، ويمكن أن يحلق في سمائه ويسير على أرضه».
في هذا الموضوع نحاول أن نسلط الضوء على هذا الجانب من شخصية المفكر الكبير. سنتخيله جالسًا بيننا يحدثنا بدماثته وخفة ظله. سنجري معه حوارًا مُتخيّلًا. ونستنبط الأجوبة مما كتبه بنفسه في سيرته الذاتية.
∎ ما هو مصدر اهتمامك بأدب الأطفال؟
«هو اهتمام مصادره متعددة. كانت هناك قصص المربيات... وكم كنت أستمتع بقصص صندوق الدنيا. ويبدو أنني استمعت لبعض رواة السيرة الهلالية في طفولتي... وحينما كنت في الولايات المتحدة كنت أقرأ كتب الأطفال، خاصةً كتب د. سوس Dr. Seuss، وهو كاتب عبقري يحطم حدود المالوف»
∎ ما مدى ارتباطك بعالم الأطفال؟
«يمكن أن أذكر عن نفسي أن البراءة تسحرني: كل ما هو برئ يملك علي شغاف قلبي، وما زلت أعشق الوجوه البريئة، خاصةً التي بها مسحة من الحزن. ومن الموضوعات الأثيرة لدي في دراستي للأدب موضوع الانتقال من البراءة إلى الخبرة ثم العودة إلى البراءة الأولى، ولعل هذا يفسر شغفي بأدب الأطفال. فأدب الأطفال العظيم، رغم عدم خلوه من الصراع ورغم وجود قدر من الشر فيه، إلا أنه أدب لا يزال على علاقة بما هو عظيم ونبيل في الإنسان (شأنه في هذا شأن السيرة الهلالية والقصص الخرافية التي أحببتها)»
∎ ماذا عن عالم الطفل عبد الوهاب المسيري؟
«كنت في طفولتي أخاف العفاريت، وهو أمر طبيعي في دمنهور. ولكن الأمر غير المألوف أنني كنت أخلّق عفاريت جديدة، فأصفها وصفًا دقيقًا وأعطيها أسماء مخيفة لأخيف بها الأطفال الآخرين... المشكلة أن هذه العفاريت بعد قليل كانت تنفصل عني تمامًا وتصبح كيانًا مستقلًا له صفات محددة، فتتصرف بحرية شديدة، وتبدأ تظهر لي أنا فيصيبني الرعب وترتعد فرائصي منها. وبدلًا من أن أخيف الأطفال الآخرين وأشعر أنا بالطمأنينة، كان الأمر ينتهي بأن أخاف أنا من هذه العفاريت أكثر من بقية الأطفال، إذ كنت أتخيلها أكثر منهم، وأعرف أدق تفاصيل حياتها وملامح وجهها»
∎ ما الذي دفعك للكتابة للأطفال؟
«الذي دفعني للكتابة هو الهدية التي حباني الله بها، طفلاي نور ثم ياسر، فقد كانت تنشئتهما مسألة موضع اهتمامي، خاصةً وأنهم قضوا جرءًا كبيرًا من طفولتهم في الولايات المتحدة... وكان لابد من أن أملأ الفراغ الذي خلقته في حياة أولادي نتيجة لخوفي عليهم من اقتصاديات السوق ولرفضي للعب الأمريكية، ومن هنا بدأت في تأليف القصص التي تنقل للطفل نماذج معرفية حضارية أكثر إنسانية، وبدأت في نسج عالم أسطوري معاصر متكامل لطفلي، فأنا أومن بأن الذكريات والأساطير المشتركة بين الأزواج والأصدقاء وأعضاء الأسرة هي أهم العناصر التي توطد الصلة بينهم»
∎ ما هي شخصيات هذا العالم الأسطوري؟
«كان هذا العالم الأسطوري القديم/ الجديد يدور حول ثلاث شخصيات نور (ابنتي) وياسر (ابني) وانضم لهما نديم (حفيدي). وهناك أيضًا الديك حسن، الذي يؤذن فنرجع من عالم الخيال إلى عالم الواقع. ولكن الشخصية الأساسية هي الجمل ظريف، وهو جمل إنساني، أخ لأولادي، ود. هدى هي أمه (أما أنا، صاحبه فليس لي مجال في عالمه)»
∎ لكن لماذا لم تعتمد على الأساطير التقليدية؟
«يجد الطفل، في عصرنا الحديث، نفسه غير قادر على دخول عالم الأسطورة التقليدية بسهولة ويسر. فكل شئ في هذه الأساطير قديم عتيق (من منزل الجدة إلى الذئب)... انطلاقًا من هذا قمت بكتابة حكايات هذا الزمان، وهي قصص للأطفال تدور أحداثها بشكل أسطوري ولكن في العالم الحديث. وقد استخدمت الأساطير القديمة بعد تطويرها، كما قمت بتأليف بعض الأساطير الجديدة»
∎ ما الذي تُعلّمه "حكايات هذا الزمان" للأطفال؟
«حكايات هذا الزمان تحاول أن تعلم الأطفال كيف تولد القصة وتتطور وتتشكل، وأنواع القصص المختلفة، فهي لا تكتفي بأن تعطيه قصة، أي ثمرة الفكر، وإنما طريقة القص (أي طريقة حكاية القصة) التي تؤدي إلى الثمرة. والطفل بهذه الطريقة يحقق قدرًا كبيرًا من الاستقلال عن القصة وعمن يقصها عليه. كما يتعلم حرية الإرادة ويدرك أن الواقع يمكن تغييره»
∎ هل الشر موجود في القصص؟
«حاولت بعض القصص أن تنقل فكرة الشر الكامن في النفس البشرية، ولكن بطريقة طريفة، حتى يدركه الأطفال ولا يظنون أن العالم برئ للغاية. وفي معظم الأحيان يٌهزم الشر وينتصر الخير (فيجب أن ينشأ الطفل وهو يعرف أن الخير إيجابي وأن الشر سلبي). ولكن الشر برغم هذا له وجوده»
∎ هل يوجد وعظ في القصص؟
«القصص بطبيعة الحال تبتعد عن الوعظ، لأنه واضح ومباشر وممل ويختزل الواقع في كلمتين أو جملة. ولذا لا يقبله الأطفال الأذكياء، كما أنه يعلم الطفل السلبية والتلقي الأعمى لما حوله»
∎ ما نسبة الخيال إلى الواقع في القصص؟
«هناك مستويات مختلفة للقصص. فهناك المستوى الواقعي جدًا، الذي يحاول أن ينقل الواقع كما هو، دون خيال أو حذف أو إضافة، وهناك العكس من ذلك، المستوى الخيالي للغاية، المغرق في الخيال، وهناك المستوى الذي يقف بينهما، والطفل ذاته يتحرك بين عالم الواقع الصلب والتفاصيل المادية من جهة، ومن جهة أخرى عالم الخيال والجمال والتحليق»
∎ ما الجوائز التي حصلت عليها في هذا المجال؟
«حالفني الحظ، إذ حصلت عام 1999 على الجائزة الأولى للتأليف للأطفال من ضمن جوائز سوزان مبارك للطفل. وقد سعدت كثيرًا بهذه الجائزة، لا لأنها تشجعني على الاستمرار في الكتابة للطفل، وإنما لأنها تخرجني من الجيتو الصهيوني، وتنبه قرائي إلى أن هناك فكرًا وراء ما أكتب وليس مجرد حشد للمعلومات»
المصدر: عبد الوهاب المسيري، رحلتي الفكرية.. في البذور والجذور والثمر، فصل "قصص الأطفال".