كانت مغامرة شديدة الدهشة والخوف والحيرة انبنت على فكرة صغيرة هاربة رمتها في الجوهر، باحثة في كتابها، ولم تكن تدري أنها كانت تنير طريقًا مظلمًا: يبدو أن المخطوطة موجودة حقيقة، وضعتها مي عند إحدى صديقاتها، أغلب الظن الممرضة سوزي أو سوزان، لطيبتها وحبها الكبير لكتاباهتا، فقد آمنت بقوةٍ بعقلها وساعدتها، تفاديًا لنشر كتاب سيؤلب عليها العائلة كلها.

لا أدرى اليوم، من ناحية الحقيقة الموضوعية، إن كنا نبحث عن مخطوطة مي الضائعة: ليالي العصفورية. التي تساورني في شأنها بعض الشكوك المتضاربة، كأن تكون مثلًا قد سرقت، أو أنَّ مي نفسها أحرقتها، في لحظة غضب كثيرًا ما تنتابها بسبب الكآبة، أو لا هذا ولا ذاك، تكون مخبأة في مكان ما، سري ،ولم تُدمَر، بعد مرورها علي أيادٍ كثيرة حافظت على استمرار وجودها، بما في ذلك يد الأطماع الكثيرة.

ثلاث سنوات من التنقلات المتتالية برفقة روز خليل، بين مدن العالم، اقتفاء لأثر مي. من بيروت، مدينة القلب وتربة الوالد، في عز مراهقتها، إلى القاهرة التى شهدت أهم الفترات التاريخية في حياتها، وانتهت فيها أيضًا، إلى روما التي شكلت مكانا من أمكنة استراحتها، مثلها مثل برلين، وفيينا، باريس، ولندن. وأخيرًا مدينة الناصرة التي شكلتها منذ نعومة أظافرها. وجدنا صعوبة في داخولها، حاولنا مرتين بلا جدوى، على الرغم من جوازينا الفرنسي والكندي. في كل مدينة من هذه المدن، كانت تنتظرنا سلسلة من المفاجآت، والهزات المؤلمة، والمفرحة أيضا.