من يتأمل أعمال غسان كنفاني في الأجناس الأدبية المختلفة يلاحظ أنه دائم البحث عن المختلف والجديد . ولعل مسرحه من أهم الشواهد على ذلك فإذا كان غسان في رواياته وقصصه منغمسًا في التجربة الواقعية التي أفادت من التجريب، فإنه في مسرحه أوغل في التجريب على صعيد الشكل والمضمون معا. فنراه مثلا يتوسل التراث في مسرحيته (الباب) مستعينا بالأساطير والمرويات الدينية والتاريخية ليقيم صراعا مبنيا على أسئلة وإجابات فلسفية ووجودية وواقعية مرموزة حول الموت والحرية والاختيار، وحول السلطة والفرد، وحول الغيبي والعياني، وحول الشك واليقين، فهو لا يقدم القوّة مطلقة غيبية ولكنه يقدمها مطلقة جبارة في العيان، إذ نرى المجابهة بين قوة البطل الإنسان النسبية ) شداد) وقوة (هيا ) المطلقة الماحقة. وعلى الرغم من أن البطل المتحدي يلقى الموت بالضرورة نتيجة عدم التكافؤ ، فإنه يستمر في حواره وتحديه حتى بعد الموت . ولعلنا نغلو إذا جعلنا هذا التحدي بين قوة الفلسطيني المعنوية التي لا تلين وقوة العدوّ المطلقة الغاشمة وضرورة التحدي انسجاما مع رؤية عسان العامة في أعماله الأدبية كلها .