هذا الحديث أريد أن أخلصه للحقّ ما وسعني إخلاصه للحقّ وحده، وأن أتحرى فيه الصواب ما استطعت إلى تحرّي الصواب سبيلًا، وأن أحمل نفسي فيه على الإنصاف لا أحيد عنه ولا أماليء فيه حزبًا من أحزاب المسلمين على حزب، ولا أشايع فيه فريقًا دون فريق؛ فلستُ عثماني الهوى، ولست شيعة لعليّ، ولست أفكر في هذه القضية كما كان يفكر فيها الذين عاصروها.
وأنا أعلم أنّ الناس ما زالوا ينقسمون في أمر هذه القضية إلى الآن كما كانوا ينقسمون فيها أيام عثمان رحمه لله؛ فمنهم العثماني الذي لا يعدل بعثمان أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الشيخين، ومنهم الشيعي الذي لا يعدل بعليّ رحمه الله بعد النبي أحدًا، لا يستثني الشيخين ولا يكاد يرجو لمكانهما وقارًا؛ ومنهم من يتردد بين هذا وذاك، يقتصد في عثمانيّته شيئًا أو يقتصد في تشيّعه لعليّ شيئًا، فيعرف لأصحاب النبيّ كلّهم مكانتهم، ويعرف لأصحاب السابقة منهم سابقتهم، ثم لا يفضّلُ بعد ذلك أحدًا منهم على الآخر، يرى أنهم جميعًا قد اجتهدوا ونصحوا لله ولرسوله وللإسلام والمسلمين، فأخطأ منهم من أخطأ وأصاب منهم من أصاب، ولأولئك وهؤلاء أجرهم لأنهم لم يتعمدوا خطيئة ولم يقصدوا إلى إساءة.
وأنا أريد أن أنظر إلى هذه القضية نظرة خالصة مجرّدة، لا تصدر عن عاطفة ولا هوى، ولا تتأثر بالإيمان ولا بالدين، وإنما هي نظرة المؤرخ الذي يجرّد نفسه تجريدًا كاملًا من النزعات والعواطف والأهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغياتها.
-
تصنيفات
-
دار النشر
-
الشكل
مجلد
-
ISBN
9786589100072
-
السلسلة
-
سنة النشر
2024
-
أحدث طبعة
0
-
عدد الصفحات
549
-
-
-