خطابات لم تصل إلى المرسل إليهم منذ مائتين وخمسين عامًا. حكايتان متشابهتان يفصل بينهما قرنان ونصف من الزمان؛ قصّة الراهب "أنطوان خير"، الذي ترك حياة الرهبنة؛ تتداخل مع قصّة "سامي"، الصوفي الذي ترك طريقة جدّه المُثلى. كان المنفى من نصيبهما. البحثُ عن الذات، المرأةُ، لقاءُ الغريب، تعلّمُ لغة جديدة؛ جميعُها قواسم مشتركة جمعتْ بين القصّتين. يحكي أنطوان خير قصّته مع المنفى مذ هَرَبَ من لبنان على سفينة للبضائع عام 1744م وحتّى وقت كتابة مذكراته في كانون الثاني عام 1759م في لِيكُورْنَا بإيطاليا. في أرشيف جامعة نيويورك، وتحديدًا في يناير 2010م، يعثر سامي على مذكّرات أنطوان خير بالصدفة. تتنقّل فصول الرواية بين قصّة "سامي" وقصّة "أنطوان خير". تتشابه الحكايتان وتتماثل التساؤلات بخصوص المنفى والاغتراب والبحث عن الذات، رغم تباعد الأزمنة واختلاف الأماكن.
بصمة إبداعية مختلفة، ورؤية للعالم جيدة، وتصور خاص للعزلة، يدخل بها محمد الطماوي باب الإبداع السردي في روايته «لِيكُورْنَا» وإذا أضفنا إليها البعد المكاني الذي يحيل إلى تحديد جغرافي معين، يرسم الطماوي – بحذق أدبي – كل ما يتعلق بالجانب الشعوري لحياة بأكملها، بطلا روايته يعيشان في زمانين مختلفين ومكانين متشابهين يمتدان على فترة زمنية تتعدى قرنين من الزمان (1759–2010م)؛ لنقرأها رحلة باتجاه الذات قبل أن تكون سفراً جغرافياً؛ أو اقتراب من الصدق مع النفس والحياة يرتكز على مقولة مفادها: "يحتاجُ الإنسان مِنَّا أن يَدْخُلَ عُزلةَ الآخر.. أَنْ يَتَّحِدَ بالآخر ويلتحم به.. إنّها العزلةُ المثاليّة.. عزلةُ الاتّحاد بالآخرين".
تتشكل الرواية عبر مسارين سرديين متوازيين في طبيعة الأحداث ونوعيتها، ولكنهما مختلفين في زمن حدوثهما. المسار الأول تجرى أحداثه في القرن الثامن عشر، وتحديداً في العام 1759م بين وادي قاديشا في الشام ومدينة ليكورنا بطوسكانه، التي يهرب إليها بطل الرواية "أنطوان خير" قبل 15 عاماً على متن سفينة بعدما ضرب صاحب الحانة التي كان يعمل فيها قبل أن يفتضح أمره ويُسجن، فسار في بلدان كثيرة مختلفة ألوانها وأناسها وأجواؤها يعيش فيها الحياة بحلوها ومرّها... والمسار الثاني هو مسار معاصر تجري أحداثه في العام 2010م، حيث يسترجع فيها بطل الرواية "سامي" حكايته مع المنفى وانتقاله بين مصر وألمانيا ثم نيويورك تاركاً زوجته وابنته بعد معرفته بأصولها اليهودية، وهناك في نيويورك يتابع دراسته تحت إشراف بروفيسور كان يبحث عن شريك يساعده في فك رموز لخطابات عربية قديمة جمعته بالصدفة بسامي، الذي كان يبحث عن بداية لرحلة جديدة. وأثناء عمله يكتشف "سامي" رسائل قديمة وخطابات لم تصل إلى أصحابها، من بينها مذكرات بخط يد راهب ترك واديه المقدس في مظروف يعود إلى العام 1759م، وبطاقة باللغة الإنجليزية مكتوبة بخط اليدّ تفيد بوقوع سفينة مبحرة من ميناء ليفورنو الإيطالية أو لِيكُورْنَا إلى الإسكندرية أسيرة في الحرب التي كانت دائرة وقتئذ بين فرنسا والمملكة المتحدة – حرب السبع سنوات – بين عامي 1756-1763م، والتي دارت معاركها في حوض البحر المتوسط.
وهنا تظهر في الرواية تقاطعات كثيرة في طبيعىة الأحداث التي تعيشها الشخصيتان الروائيتان في زمانين مختلفين وأمكنة متشابهة، بما فيها العلاقة مع المرأة الحبيبة والزوجة؛ لتبرز في النهاية الحكمة من حيوات البشر مهما اختلفت مشكلاتهم ورؤاهم، والتي لن تكون بمعزل عن مشاركة الآخرين التجربة. لقد وجد "سامي" ذاته أخيراً في زحمة الكون. "وجد ذاته في عزلة الاتحاد بالآخرين"، هذا ما أرادت أن تقوله الرواية.
-
تصنيفات
-
الوسوم
-
دار النشر
-
الشكل
غلاف
-
ISBN
9789948244738
-
السلسلة
-
سنة النشر
2018
-
أحدث طبعة
0
-
عدد الصفحات
197
-
-
-